تفسير ابن كثير تفسير الصفحة 400 من المصحف



تفسير ابن كثير - صفحة القرآن رقم 400

400 : تفسير الصفحة رقم 400 من القرآن الكريم

** وَلَمّا جَآءَتْ رُسُلُنَآ إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَىَ قَالُوَاْ إِنّا مُهْلِكُوَ أَهْلِ هَـَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنّ أَهْلَهَا كَانُواْ ظَالِمِينَ * قَالَ إِنّ فِيهَا لُوطاً قَالُواْ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا لَنُنَجّيَنّهُ وَأَهْلَهُ إِلاّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ * وَلَمّآ أَن جَآءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالُواْ لاَ تَخَفْ وَلاَ تَحْزَنْ إِنّا مُنَجّوكَ وَأَهْلَكَ إِلاّ امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرينَ * إِنّا مُنزِلُونَ عَلَىَ أَهْلِ هَـَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مّنَ السّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ * وَلَقَد تّرَكْنَا مِنْهَآ آيَةً بَيّنَةً لّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ
لما استنصر لوط عليه السلام بالله عز وجل عليهم, بعث الله لنصرته ملائكة فمروا على إبراهيم عليه السلام في هيئة أضياف, فجاءهم بما ينبغي للضيف, فلما رآهم أنه لا همة لهم إلى الطعام, نكرهم وأوجس منهم خيفة, فشرعوا يؤانسونه ويبشرونه بوجود ولد صالح من امرأته سارة, وكانت حاضرة, فتعجبت من ذلك كما تقدم بيانه في سورة هود والحجر, فلما جاءت إبراهيم البشرى وأخبروه بأنهم أرسلوا لهلاك قوم لوط, أخذ يدافع لعلهم ينظرون لعل الله أن يهديهم, ولما قالوا إنا مهلكوا أهل هذه القرية {قال إن فيها لوطاً, قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين} أي من الهالكين, لأنها كانت تمالئهم على كفرهم وبغيهم ودبرهم, ثم ساروا من عنده فدخلوا على لوط في صورة شبان حسان, فلما رآهم كذلك {سيء بهم وضاق بهم ذرع} أي اغتم بأمرهم إن هو أضافهم خاف عليهم من قومه وإن لم يضفهم خشي عليهم منهم ولم يعلم بأمرهم في الساعة الراهنة {قالوا لا تخف ولا تحزن إنا منجوك وأهلك إلا امرأتك كانت من الغابرين * إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزاً من السماء بما كانوا يفسقون} وذلك أن جبريل عليه السلام اقتلع قراهم من قرار الأرض, ثم رفعها إلى عنان السماء, ثم قلبها عليهم, وأرسل الله عليهم حجارة من سجيل منضود مسومة عند ربك, وما هي من الظالمين ببعيد, وجعل الله مكانها بحيرة خبيثة منتنة, وجعلهم عبرة إلى يوم التناد, وهم من أشد الناس عذاباً يوم المعاد. ولهذا قال تعالى: {ولقد تركنا منها آية بينة} أي واضحة {لقوم يعقلون} كما قال تعالى: {وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل أفلا تعقلون}.

** وَإِلَىَ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً فَقَالَ يَقَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَارْجُواْ الْيَوْمَ آلاَخِرَ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأرْضِ مُفْسِدِينَ * فَكَذّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ
يخبر تعالى عن عبده ورسوله شعيب عليه السلام, أنه أنذر قومه أهل مدين, فأمرهم بعبادة الله وحده لا شريك له, وأن يخافوا بأس الله ونقمته وسطوته يوم القيامة, فقال: {يا قوم اعبدوا الله وارجوا اليوم الاَخر} قال ابن جرير: قال بعضهم معناه واخشوا اليوم الاَخر, وهذا كقوله تعالى: {لمن كان يرجو الله واليوم الاَخر} وقوله: {ولا تعثوا في الأرض مفسدين} نهاهم عن العيث في الأرض بالفساد وهو السعي فيها والبغي على أهلها, وذلك أنهم كانوا ينقصون المكيال والميزان ويقطعون الطريق على الناس, هذا مع كفرهم بالله ورسوله, فأهلكهم الله برجفة عظيمة زلزلت عليهم بلادهم, وصيحة أخرجت القلوب من حناجرها, وعذاب يوم الظلة الذي أزهق الأرواح من مستقرها, إنه كان عذاب يوم عظيم, وقد تقدمت قصتهم مبسوطة في سورة الأعراف وهود والشعراء. وقوله: {فأصبحوا في دارهم جاثمين} قال قتادة: ميتين, وقال غيره: قد ألقى بعضهم على بعض.